الاثنين، 7 يوليو 2008

ماذا لو حدث ذلك ...؟ (3)

فى هذا المقال وإستكمالا لما بدأناه فى المقالين السابقين سنطرح السيناريوهات المحتملة فى حالة حدوث تنحى الرئيس عن الحكم تحت أى سبب من الأسباب.
السيناريو الأول:
وهو عبارة عن مجموعة أحداث متسارعة وفى سباق مع الزمن للوصول لإنتقال سريع للسلطة حتى لا تقع البلاد فى حالة من الفراغ السياسى والدستورى وتشمل:
1- سيقوم رئيس مجلس الشعب طبقا للدستور بتولى الحكم مؤقتا وسيدعو لإنتخابات رئاسية يشترك فيها كل من ينطبق عليه شروط الترشيح .
2- يقوم الحزب الحاكم بترشيح أهم شخصية فى الحزب لمنصب الرئاسة وبكل تأكيد لا يوجد فى الحزب الوطنى أهم من شخصية السيد جمال مبارك.
3- تقوم بعض الأحزاب والكتل البرلمانية بمحاولة لترشيح أحد كوادرها لمنصب الرئيس .
4- يتم رفض ترشيح معظم من تقدموا بالترشيح لعدم إستطاعتهم الحصول على النسب المطلوبة من أعضاء مجلسى الشعب والشورى وأعضاء المحليات طبقا للمادة رقم 76 ومن هنا يتضح لنا لماذا الصراع المحموم الذى دار بين الحزب الحاكم والمعارضة فى إنتخابات المحليات التى جرت مؤخرا
5- سيتم قبول بعض ممن ترضى عنهم قيادات الحزب الوطنى لإخراج هذه الإنتخابات الرئاسية فى شكل تنافس بين مجموعة من المرشحين وهو بالتأكيد عكس ذلك تماما فجميع المرشحين ضد نجل الرئيس سيكونون عبارة عن دمى فى يد النظام الحاكم لإبراز شخصية نجل الرئيس فى صورة مغايرة ومضادة تماما لشخصية هؤلاء المرشحين مما يسهل الأمر على الناخبين فى ضرورة التصويت لنجل الرئيس لما يتميز به مقارنة بباقى المرشحين.
6- لامانع لدى النظام الحاكم فى إشراف أى جهة دولية على إنتخابات الرئاسة فالنتيجة محسومة بيد الشعب وليس من خلال تزوير او خلافه وذلك لضعف المرشحين مقارنة بنجل الرئيس.
7- سيكون الإقبال على المشاركة فى الإنتخابات ضعيف جدا لشعور الشعب بأنه يسير لا محالة فى طريق لم يختاره أو يتمناه وليس بيده أن يغير قدره أو مصيره فيكون التعبير الوحيد عن هذا الرفض الداخلى هو عدم المشاركة فى الإنتخابات.
8- لن يمنع عدم جدية المشاركة من الشعب المصرى إجراء هذه الإنتخابات بل والإعلان عن فوز السيد حمال مبارك فوزا تاريخيا كاسحا لكل منافسيه
9- تكتمل الصورة النهائية لإنتقال السلطة فى ظهور بعض المنافسين لنجل الرئيس فى هذه الإنتخابات يتهمون الحكومة بتزوير الإنتخابات والبعض الآخر يهنىء السيد جمال مبارك بالفوز ويشيد بنزاهة العملية الإنتخابية.
10- تشيد الهيئات الدولية المشرفة على إجراء الإنتخابات بنزاهة العملية الإنتخابية وتدعو جميع دول المنطقة أن تحذو حذو مصر .
وهكذا تنتقل السلطة سلميا وبطريقة دستورية وشرعية لأول رئيس مدنى فى تاريخ مصر.
السيناريو الثانى:
وهو سيناريو حزين لا نتمنى حدوثه ولكنه مطروح وبشدة فى حالة حدوث هذا الفراغ السياسى والدستورى وهو عبارة عن عملية فوضى فى هذا البلد المسكين وصراع سياسى وربما صراع غير سلمى بين مختلف الكتل السياسية والفكرية وهو مالا نتمنى حدوثه ولكن الأمر لا يقاس بالأمانى فالمناخ السياسى فى هذه الحالة سيغرى الجميع فى محاولة القفز على السلطة للوصول من أقصر طريق لحكم أكبر دولة فى منطقة الشرق الأوسط.فهل حكم مصر لن يغرى الجميع وتتحول مصر لعراق ولبنان أخرى ؟
وأنا بصراحة لا أريد الخوض فى تفاصيل هذا السيناريو لما فيه من مآسى نتمنى وندعو الله ألا تصل مصر لمثل هذا الحال ولكن يمكننا إلقاء الضوء على من يطمعون فى حكم هذا البلد وينتظرون الفرصة للقفز عليها وإغتنامها للفوز بهذه التورتة
1- الحزب الحاكم ورموز السلطة الحاليين الذين يرون أنهم الأحق بالإستئثار بالسلطة ويرون أنها الميراث الشرعى لهم ولن يتوانوا لحظة فى المحافظة عليها ويدعمهم فى ذلك ولاء الجيش والشرطة لهم وهما أهم القطاعات فى الدولة .
2- التيار الإسلامى بزعامة جماعة الإخوان المسلمين والذين لن يفوتوا هذه الفرصة الذهبية مهما كانت التضحيات ومهما كلف هذا الهدف من ثمن باهظ ووقوع مصر فى مستنقع العراق.
3- التيارات اليسارية المعارضة لنظام الحكم وهذه التيارات على الرغم من ضعف نفوذها ومؤيديها إلا أنها تحلم أيضا بالتواجد على الساحة السياسية المصرية
4- الكنيسة القبطية والتيارات المسيحية التى ستجد فى المناخ العام فى مصر حينها الفرصة الذهبية لنيل مايطمحون إليه من مشاركة فعالة فى الحكم بل وربما يشطح بهم خيالهم حينها لمحاولة إعلان قيام دولة قبطية فى جنوب مصر مستغلين فى ذلك التعاطف الدولى مع الأقليات
5- بعض الأقليات الأخرى أمثال الشيعة والبهائيين سيحاولون التواجد فى هذا الوقت على الساحة والتحالف مع أحد القوى المتواجدة حينها لنيل بعض المكاسب .
ماسبق هو عرض مبسط لبعض القوى السياسية المؤثرة والتى تطمع وتطمح فى القفز على الحكم ولنا جميعا أن نتخيل الحال فى مصر حينها من فوضى ولنا فى العراق العبرة والعظة.
لذلك يجب علينا أن ندعو من قلوبنا بأن يجنب مصر هذه الصراعات وألا نترك مصر لأطماع وتطلعات شخصية هدفها الوحيد هو السلطة و السلطة فقط وتكون مصلحة الشعب هو آخر مايشغل بالهم .لذلك يجدر بنا ألا نستمتع بجلوسنا فى مقاعد المتفرجين ونشاهد أحداث هذا الفيلم كما يريدها المخرج أن تتم وأن نشارك بجدية فى الإخراج من خلال المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة وأن نبتعد عن مجرد التعاطف مع هذه الفئه أو تلك .

ماذا لو حدث ذلك ...؟ (2)

إستكمالا للتساؤل الذى أنهينا به المقال السابق والذى هو عنوان هذه المقالات:
ماذا لو حدث ذلك...؟
أى ماذا لو تخلى الرئيس مبارك عن الحكم لأى سبب من الأسباب ؟
وكيف سيكون الحال فى هذا البلد المختلف على نفسه والذى لا يحمل أى هوية ؟
وما هو السيناريو المتوقع حدوثه فى حالة كهذه؟
وهل يوجد سيناريو محدد لإنتقال السلطة السلمى أم ستتحول مصر للبنان أخرى؟
وللإجابة على كل هذه التساؤلات التى تسيطر على فكر الغالب الأعم من الشعب المصرى يجدر بنا الإجابة أولا على سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأسئلة السابقة ولكنه قد يحمل الإجابة بين طياته وهو:
لماذا لم يقوم الرئيس مبارك خلال 27 عاما قضاها رئيسا للجمهورية بإختيار نائبا له ولو حتى لمرة واحدة؟
وفى الواقع هذا السؤال عند محاولة التفكير فى الإجابة عليه سيسيطر على الذهن مباشرة فكرة التوريث التى يخشاها سواد الشعب لما فيها من إجهاض لأحلام كبيرة فى التغيير وعمل نقلة نوعية للحياة السيا سية فى مصر لتأخذ بها لمصاف الدول المتقدمة سياسيا على الأقل فى الفترة الحالية.
ولكن من وجهة نظرى أن عدم إختيار الرئيس نائبا له كان فى البداية بسبب الحكمة الزائدة والتريث الذى يميز الرئيس مبارك بل لنقل إن هذه الصفة هى من أهم صفات الرئيس إن لم يكن أهمها على الإطلاق .
فمعروف عنه أنه شديد الحرص والحذر وعدم التعجل أو التهور فى جميع قراراته ويتضح ذلك جليا فى الوزارات التى شكلت خلال فترة حكمه والتى لم تتجاوزأصابع اليد الواحدة خلال فترة حكم قاربت من الثلاثين عاما .
لذلك كان عدم تعجله فى البداية إتخاذ نائبا له هو السبب الرئيسى وليست فكرة التوريث التى لم تظهر على السطح إلا منذ عشر سنوات تقريبا.
وهكذا يتضح لنا أن فكرة التوريث جديدة وهى فكرة نابعة من حساسية الشعب المصرى الشديدة تجاه رموزه وحكامه وهى نابعة أيضا من حالة الفراغ السياسى التى تغلف الحياة فى مصر فى ظل عدم وجود أحزاب معارضة حقيقية تشارك وتقاسم الحزب الحاكم فى السلطة أو تداول هذه السلطة كما يحدث فى جميع البلدان المتقدمة .
بل إن حالة الضعف الشديدة التى تعانى منها المعارضة وحالة الإستنفار والتحفز التى يمارسها التيار الليبرالى والعلمانى المصرى للتيار الإسلامى هما من الأسباب الرئيسية التى أغرت السلطة بضرورة الحفاظ على هذا الجو وهذه الحالة السياسية والإجتماعية فى مصر.
ففى ظل الملاحقات الأمنية والتضييق الذى تمارسه الحكومة ضد التيار الإسلامى ووجود مساندة قوية من معارضى التيار الإسلامى وفى ظل حالة الهلع والرعب الذى يسيطر على العالم من كل ماهو إسلامى كانت هناك المباركة الغير معلنة للتمادى فى زيادة نفوذ نجل الرئيس وكما يقول المثل الشعبى:إللى نعرفه أحسن من إللى منعرفوش
وربما يوجد سبب آخر لا يقل أهمية عن فكرة الحذر والتريث عند الرئيس مبارك وهى إحساسه بعدم جدوى هذا المنصب حيث أن جميع الخيوط فى يد الرئيس ولا يملك أحد سلطة إتخاذ القرار سواه فبالتالى سيكون مساوىء وجود نائب له أكبر بكثير من المميزات .
فقد يتسبب وجود نائب له فى ظهور أطماع أو لنقل تطلعات لهذا النائب فى الحكم وهو ماقد يحدث إنشقاق أو وجود لوبى مناهض للرئيس قد ينتج عنه بعض التعاطف من بعض أطياف الشعب ولذلك كان قرار الرئيس الغير معلن هو عدم إتخاذ نائب له مهما كلفه من متاعب ومشقة فى ممارسته لأمور الحكم التى كان من المفترض أن يساعده فيها نائبه.
ثم تطور الأمر وبدأ نجم نجل الرئيس يزداد توهجا وإنتشارا منذ نهاية التسعينات وحتى الآن حيث يرى المتابعون للحياة السياسية المصرية الزيادة المطردة لشعبية السيد جمال مبارك وهو الأمر الذى بدأ يمهد الطريق لإنتقال السلطة بطريقة سلمية شرعية ودستورية.
وقد يتسائل البعض كيف سيكون التوريث للحكم بطريقة دستورية وشرعية؟
بالتأكيد سيكون ذلك من خلال المادة 76 والخاصة بإختيار رئيس الجمهورية حينما يتقدم من تنطبق عليه شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وذلك لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف أى هيئة فى العالم ولو كانت الأمم المتحدة.
وبالتأكيد يجدر بنا وضع أكثر من خط تحت عبارة شروط الترشح لرئاسة الجمهورية فهذه الشروط هى التى ستحدد نتيجة هذه الإنتخابات الرئاسية.
وللحديث بقية إنشاء الله

ماذا لو حدث ذلك ...؟ (1)

كان يوم أمس يوما طويلا متلاحق الأحداث حيث ترقب الجميع هذا اليوم ‏لما فيه من تناقض وعناد بل وتحدى بين الحكومة المصرية والشعب .
‏حينما أصر بعض زعماء الإخوان المسلمين التمسك بتنفيذ الإضراب العام ‏الذى دعوا إليه جميع فئات الشعب للتعبير عن السخط الشعبى الذى إمتد ‏إلى جميع نواحى الحياة حيث لم يقتصر هذا السخط على الأحوال ‏الإقتصادية السيئة فقط ولكنه إمتد للمناخ السياسى الموبوء ثم أحوال ‏الشعب الذى يتألم من قهر حكامه حيث لا يمكنك حتى الإضراب أو التعبير ‏عن رفضك للوضع الداخلى المتأزم بل ولا يمكنك حتى التعاطف مع ‏إخوانك المقهورين فى غزة أو العراق أو أى مكان فى العالم ولكن يجب ‏أن تكتفى فقط بأضعف الإيمان وهو التعبير عن هذا السخط داخلك ولا ‏تبوح به حتى لأقرب أقربائك وإلا...فالويل والثبور وعظائم الأمور مما ‏نعلمه جميعا من إعتقال تحت مظلة قانون الطوارىء ثم المحاكمة ‏العسكرية ثم السجن إلى ماشاء الله ..‏ومماهو معلوم للجميع بأن منظموا إضراب الأمس حينما إختاروا هذا ‏اليوم بالذات لم يكن ذلك من قبيل المصادفة ولكنه مقصود به يوم ميلاد ‏الرئيس الثـمانيــــــــــــــــــــــــــــــــــن...‏لما فى ذلك من رسالة يتوجهوا بها للحكومة وعلى رأسها رئيس ‏الجمهورية بأن الكيل قد فاض وأن الأمور لم تعد كما كانت عليه من قبل ‏فالأحوال تسير من سيء لأسوأ ولا حياة لمن تنادى .
‏وقد كان حشد الحكومة وعلى رأسها وزارة الداخلية لمواجهة هذه الدعوة ‏للإضراب مكثفا بل وكان لتصريح الرئيس بالعلاوة التى تبلغ 30% ‏لمرتبات العاملين فى الدولة أكبر الأثر فى التأثير على وحدة الصف بل ‏والأكثر من ذلك إجهاض هذا الإضراب تماما.
‏ثم كانت زيارة الرئيس لمدينة السادات والإستقبال الشعبى الحافل له كانت ‏ضربة سياسية موجعة لمعارضى النظام الحاكم بل واللافتات التى إمتلئت ‏بها شوارع القاهرة والمحافظات المختلفة التى تؤيد الرئيس وحكومته .‏فوجدت نفسى مجددا أقف معزولا وحدى لا أدرى ماذا يحدث وهل تغير ‏هذا الشعب بين يوم وليلة وتحول من ساخط وناقم على الحكومة إلى مؤيد ‏ومبارك لها فى سياستها بل والأدهى حينما شاهدت الصفحات تفرد لسرد ‏التاريخ المشرف لسيادة الرئيس وتهافت الكتاب والمثقفين للتعبير عن ‏سعادتهم ومشاركتهم للرئيس فى الإحتفال بعيد ميلاده.
‏وربما يكون ذلك مقبولا من بعض المتسلقين وبعض الكتاب الذين يتملقوا ‏الحكام للوصول لمناصب معينة ولكن ما أدهشنى حقيقة هو ما شاهدت ‏على قنوات التليفزيون المصرى أثناء نزول الكاميرات إلى الشوارع لرصد ‏أحوال المواطن المصرى حينما يقوم المذيع بسؤال أحد المواطنين :‏
ماذا تقول لسيادة الرئيس يوم ميلاده..؟
فتأتى الردود وكأنما إتفق عليها الجميع بدون إتفاقكل سنة وهو طيب ويارب يخليه لنا ميه سنةوتسابق الجميع فى التغنى برغد الحياة والنعيم الذى يتمرغون فيه ليل ‏نهار..
‏ولكن ...
لى سؤال لهذا الشعب الغريب الأطوار والمتقلب المزاج‏كيف تفكرون...؟
والله لقد إحتار عقلى فى فهم هذه الإزدواجية؟
على كل الأحوال إنتهى اليوم بنهاية سعيدة للحكومة ونهاية تعيسة وغير ‏متوقعة للمعارضة .
‏فقررت الهروب من التفكير فى أحوال هذا البلد فقررت النوم...‏ولم تنتهى الليلة عند هذا الحد بل قمت مفزوعا من النوم وأنا أرددلا ياريس متسبناش – دإحنا من غيرك مانسواش‏حيث كنت أحلم بكابوس مفزع رأيت فيه السيد الرئيس يخطب فى الشعب ‏ويفجر قنبلة من العيار الثقيل أثناء خطابه حينما قرر التنحى عن الحكم ‏وحينها قمت من نومى مفزوعا أردد الهتاف السابق لأثبت لنفسى أننى ‏مصرى أبا عن جد وأننى أنتمى لهذه الإزدواجيةفقمت من نومى أضرب أخماسا فى أسداس وأسأل نفسى هذا السؤال
ماذا لو حدث ذلك....؟

شيزوفرنيا !!!!

حينما أجلس وحدى وأتأمل أحوال المجتمع الذى أعيش فيه أشعر بدهشة غريبة وبإنبهار فى نفس الوقت لحجم ‏الكذب والتضليل الذى يمارس من حولى على جميع المستويات .
‏ولا أكون مبالغا حينما أقول جميع المستويات وكأنما إتفق الجميع فيما بينهم على تطبيق هذا المنهج وهذا الأسلوب ‏فى وقت واحد وبنفس الأسلوب تقريبا مع إختلاف المواقف والأشخاص.‏‏
ولا أكون مبالغا أيضا حينما أقول إنبهار لمدى دقة الكذب والتزييف لدرجة أننى أنخدع فى بعض الوقت من قوة ‏الحجة وكيف يتسنى لصاحب هذه الحجة العقل والإحترافية الشديدة فى إخراج هذه الأباطيل والأكاذيب.
‏فحينما أتأمل ماحولى وأحاول إيجاد قاسم مشترك يجمع هذه الخيوط المتفرقة مع بعضها البعض لا أجد صعوبة ‏فى ذلك فأجد هذه الخيوط تتجاذب وتتشابك لتشكيل نسيج واحد وكالفرقة الموسيقية الواحدة التى يمسك عازفيها ‏كل بآلته لعزف المقطوعة الموسيقية والسيمفونية الرائعة التى تشعرك بمدى التجانس فى النغمات بحيث لا ‏تستطيع أذنك إلتقاط أى نشاذ فى هذا العزف لدقة ومهارة العازفين .
‏فإذا تأملت ونظرت للصورة من خلال العدسة المكبرة لرؤية المجتمع الكبير الذى أعيش فيه أشعر بالغثيان لمدى ‏الكذب والتضليل الذى يمارس على هذا المستوى الكبير من خلال منظومة الأمم المتحدة فأجد هذه الهيئة رفيعة ‏المستوى تمارس قمة الإزدواجية فى المعايير بحيث لا يخطىء المتابع لأحوالها ذلك بوضوح شديد وبصفة دورية ‏منتظمة حينما تسمع على لسان أمينها العام مساندة الأمم المتحدة لجميع المقهورين على سطح الأرض وكيف ‏يتسابق العالم من خلال هذه الهيئة فى رفع الغبن والظلم الواقع على الشعوب المقهورة وفى نفس اللحظة تجد نفس ‏المسؤل يطلق التصريحات والتهديدات للشعب الفلسطينى الأعزل المحاصر بضرورة السكوت والخنوع وعدم ‏الرد على العدوان الصهيونى الذى يتفنن يوميا فى إذلال وقهر هذا الشعب المسكين بل والأكثر من ذلك لا يجب ‏عليك أن تعبر ولو حتى بالإمتعاض والتنديد بهذه الممارسات وإلا ستصبح معاديا للسامية ويدرج إسمك مباشرة ‏على قائمة الإرهاب.
‏وإذا نظرت بعدسة أخرى لأحوال المجتمع الدولى تجد الدول العظمى التى تتغنى وتتشدق بالديمقراطية تمارس ‏أبشع أنواع الديكتاتورية واالعنجهة السياسية حينما تفرض على حكام دول العالم الثالث الطامحين للحفاظ على ‏كراسيهم التى خار السوس فيها الإنقياد والإنصياع لكل أوامرهم بل قل لمجرد أحلامهم فذلك الحاكم يرمون له ‏بالجزرة ويلوحون له بالعصى لإرهابه فيركع لأوامرهم و لا يفكر مجرد التفكير فى العصيان وليذهب الشعب ‏إلى الجحيم فى سبيل الهدف الأسمى وهو بقائه فى السلطة حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
‏كما نجد هذه الدول العظمى تنادى على لسان رؤسائها وحكوماتها بضرورة إحترام إرادة الشعوب فى إختيار ‏حكامها وضرورة ترسيخ مبادىء الديمقراطية التى هى كالماء والهواء للإنسان تجدهم فى نفس الوقت يطالبون ‏المجتمع الدولى بفرض وتشديد الحصار على الحكومة الفلسطينية الشرعية التى إختارها الشعب الفلسطينى من ‏خلال تجربة ديمقراطية حرة نزيهة لم تشهد منطقتنا العربية مثيلا لها لا لشيء ولكن لتضارب مصلحة أمريكا فى ‏مساندة الكيان الصهيونى وهذه الحكومة الفلسطينية الشرعية.‏وأمثلة هذه الإزدواجية التى ينتهجها هذا العالم المتحضر الديمقراطى إسما فقط لا حصر لها ولنا فى الإحتلال ‏الأمريكى للعراق المثل فحينما نسمع من خلال جميع المحطات التليفزيونية الرفض الشعبى فى العراق لهذا ‏الوجود المحتل على أراضيه من خلال جميع الطوائف العراقية تغض أمريكا الطرف عن هذه الإعتراضات ولا ‏تستمتع إلا لصوت واحد فقط وهو أمريكا أولا وليذهب الجميع إلى الجحيم.
‏وإذا نظرنا بنظرة أقل شمولا على مجتمع أصغر وهو المجتمع العربى فحدث ولا حرج يوميا يطالعنا الأفاقين من ‏خلال أبواقهم النجسة بسعى الحكومات العربية لتوفير الرخاء والرفاهية لشعوبهم تجدهم يتحالفون مع الشياطين ‏لنهب الثروات وشعوبهم خارت قواهم من الأنيميا الحادة .
‏وحينما ننظر لأحوال المجتمع المصرى ترى العجب العجاب ...‏تصريحات من قيادات الحزب الحاكم ومن الوزراء والمسؤلين بالديمقراطية والشفافية والتغيير والدماء الجديدة ‏والفكر الجديد وحرية و رفاهية ورخاء من أجل المواطن المصرى كل ذلك والمتابع لهذه التصريحات يحسد ‏الشعب المصرى على كل هذه النعم التى ينعم بها والتى إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هذا الشعب هوشعب ‏جبار لا يملأ عينه إلا التراب .... لماذا هو دائم الشكوى من الديكتاتورية وزوار الفجر وكبت الحريات وغلاء ‏المعيشة ؟
ماذا يريد بعد كل ذلك؟‏
حتى مجرد محاولات الخروج من هذا الإحساس القاتل حينما أحاول الدخول للمنتديات على شبكة الإنترنت ‏تصطدم أيضا بمثل هذا النوع من الإزدواجية حينما تقرأ الإسم البراق للمنتدى الذى ينادى بحرية الرأى والذى ‏يعانى المسؤلين عن هذا المنتدى من الإضطهاد والحجر على حرياتهم يمارسون نفس الأسلوب من الإزدواجية ‏برسالة إدارية من إدارة المنتدى تعتذر لك بعدم نشر مقالك وذلك لأنه يتعارض مع فكرهم ونهجهم العلمانى الذى ‏يختلف عن معنى ومضمون المقال وكأنهم بذلك يكملون هذه الحلقة اللانهائية من صور الشيزوفرنيا.
‏ثم أتأمل بعد ذلك فى أحوالى فى العمل فأجد مديرى فى العمل يمارس نفس الأسلوب وبنفس الطريقة حتى أكاد ‏أشعر بأننى أنا المستهدف بكل هذا الإزدواج والكذب وكأن أمريكا والأمم المتحدة وكل من حولى إتفقوا جميعا ‏ضدى لإيهامى بأنهم جميعا على صواب وأنا المخطىء ويجب إيداعى مستشفى الأمراض العقلية .‏